شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.1.8.1 - قونية (شوال 602/1205)

يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان أن قُونية كانت من أعظم مدن الإسلام ببلاد الروم، وبها سُكنَى ملوكها، وقال ابن الهروي إن بها قبر أفلاطون الحكيم، ومن أشهر أعلام التصوف الذي عرفتهم قونية هو جلال الدين الرومي الذي استقر فيها سنة 632/1226 بعد أن تركها ابن العربي ببضع سنوات إلى أن توفي فيها سنة 672/ 1273، وسوف نذكر أدناه قصّة لقائه بابن العربي حين كان لا يزال بعدُ صغيراً يمشي مع والده.

ولقد ذكرنا أعلاه أنه لما أعاد غياث الدين كيخسرو توحيد بلاد الروم جعل من قونية عاصمة له واستقر فيها حتى سنة 607/1211 ثم خلفه ابنه كيكاؤس الذي كان أميراً على ملطية قبل ذلك وكان أستاذه ومربيه مجد الدين الرومي وهو صاحب ابن العربي.

عندما وصل مجد الدين إلى ملطية أرسل له الملك كيخسرو حتى يكلّفه بمهمة إصلاح الوضع الاجتماعي ببناء الفتوات كما فعل عند الخليفة الناصر لدين الله في بغداد. ويبدو أن الشيخ محي الدين جاء برفقته إلى قونية فتعرّف عليه كيخسرو وأكرمه وأجلّه كثيرا، ويقول المقرِّي في "نفح الطيب" أن ملك الروم، وهو إمّا كيخسرو أو ابنه كيكاؤس، أمر له مرّة بدارٍ تساوي مائة ألف درهم، فلمّا نزلها وأقام بها مرّ به في بعض الأيّام سائل، فقال له: شيء لله! فقال: ما لي غير هذه الدار، خذها لك، فتسلّمها السائل وصارت له.[679]

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشيخ محي الدين رضي الله عنه يرى إباحة الأخذ من عطاء السلطان ويقول إنه ما هو إلا أمانة عنده للمسلمين، فمن عرض عليه السلطان شيئاً فليأخذه لأنه هو صاحبه على الحقيقة وما كان إلا أمانة له عند السلطان. وفي المقابل فإن الشيخ يرفض الأخذ من الناس ويعتبر أن ذلك شيء يأخذ من المروءة. فيقول الشيخ محي الدين في "محاضرة الأبرار":

إن الحلال من المكاسب همّتي
تمضي المروءة أخذه من عالم
تمتنّ من قبل العطاء وربّما
فلتجتنب أخذ الفتوح فإنه
إلا من السلطان فهو نصيبكم
هو عنده للمسلمين أمانة

والأخذ من مال الفتوح أجانبه
مذمومة أحواله ومذاهبه
سألت عليك بما يعيل مدانبه
يجني على الأعقاب منك عقائبه
مما تعيّن بالشريعة واجبه
فمتى حباك فخذه إنك صاحبه[680]

ولذلك نجد أن الشيخ محي الدين لا يرفض الهبة من السلاطين، بل كان يأخذها ويتصدق بها إن لم يكن بحاجتها. فقد ذكر المقرِّي في "نفح الطيب" أيضاً أن صاحب حمص رتّب له كلّ يوم مائة درهم، وابن الزكي كلّ يوم ثلاثين درهماً، فكان يتصدّق بالجميع.[681]