شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.1.2 - سلا (597/1200)

وبكل الأحوال، سواء قدِم برّاً أو بحراً، فإن الشيخ محي الدين قد قطع عزلته وسياحته وترك الأندلس بعد أن ودّع شيوخه فيها وبقي عليه أن يودّع شيوخه في المغرب. لقد رأينا في الفصل الثاني أن من أوائل الشيوخ الذين كان لهم الفضل في تعليم ابن العربي وتربيته هو الشيخ أبو يعقوب يوسف بن يخلف الكومي والذي كان في هذا الوقت في مدينة سلا،[512]فربما كان هذا هو السبب الرئيسي لمجيء الشيخ محي الدين إلى هذه المدينة النائية.

يذكر الشيخ محي الدين في ترجمته لشيخه الكومي في رسالة روح القدس أنه قال به قصيدة حين فارقه وهو متوجه إلى مراكش وكان الشيخ حينئذ يقطن بسلا، قال فيها:[513]

إذا قيل من في الوجود أشرف
إلى أن يقول ....................
قد يكسف البدر في علاه

سيدنا يوسف بن يخلُف
...
وبدر مولاي ليس يُكسف

فإذا كان بكل هذا الوصف فإنه لا شكّ يستحق عناء السفر ليلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة، وهذا لا شكّ من الوفاء الذي تميّز به الشيخ الأكبر رضي الله عنه.

وفي مدينة سلا روى الشيخ محي الدين أن رجلا صالحا من عامة المسلمين روى له رؤيا تحثّ على التمسّك بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكما رأينا في الفصل السابق فإن الشيخ محي الدين يستشهد ببعض المنامات المبشرات على أهمية جمع الحديث كما ذكر في كتاب المبشرات التي رآها هو أو رواها له بعض الصالحين سواء في كتاب المبشرات أو في الكتب الأخرى مثل الفتوحات المكية وكلها تحثّ على طلب الحديث والعمل به. فيقول الشيخ الأكبر أن هذا الرجل التقاه في مدينة سلا وهي مدينة بالمغرب على شاطئ البحر المحيط يقال لها "منقطع التراب" ليس وراءها أرض، فقال له هذا الرجل الصالح:

رأيت في النوم محجة بيضاء مستوية عليها نور سهلة ورأيت عن يمين تلك المحجة وشمالها خنادق وشعاباً وأودية كلها شوك لا تنسلك لضيقها وتوعّر مسالكها وكثرة شوكها والظلمة التي فيها. ورأيت جميع الناس يخبطون فيها عشوا ويتركون المحجة البيضاء السهلة، وعلى المحجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونفر قليل معه يسير وهو ينظر إلى من خلفه، وإذا في الجماعة متأخر عنها لكنه عليها الشيخ أبو اسحق إبراهيم بن قرقور المحدث، كان سيداً فاضلاً في الحديث اجتمعت بابنه، فكان يفهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يقول له ناد في الناس بالرجوع إلى الطريق. فكان ابن قرقور يرفع صوته ويقول في ندائه، ولا من داع ولا من مستدع، هلموا إلى الطريق هلموا! فلا يجيبه أحد ولا يرجع إلى الطريق أحد.[514]

وفي مدينة سلا أيضاً التقى الشيخ محي الدين بالشيخ عبد الحليم الغماد الذي كان يغلب عليه الوله، ويقول عنه الشيخ محي الدين أنه كان إذا رأى شخصاً راكباً ذا إشارة يعظمه الناس وينظرون إليه يقول له ولهم: "تراب راكب على تراب"، ثم ينصرف وينشد:[515]

حتى متى وإلى متى تتوانى
***
أتظنّ ذلك كلَّه نسيان