شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.1.1 - اجتماعه بالخضر للمرة الثالثة (جنوب غرب الأندلس)

فإذا افترضنا إذاً أن الشيخ محي الدين قد غادر الأندلس عن طريق البحر، فإن المكان المحتمل لذلك هو شذونة أو شريش حيث كان هناك في روطة وقد قابل الخضر هناك للمرة الثالثة. مع أننا لا نعرف بالتحديد متى كان ذلك، ولكنه حتما بعد سنة 590، بعدما رجع من تونس، ومن المستبعد أن يكون خلال السنوات التي كان فيها في فاس، وهي تزيد عن ثلاث سنوات بالمجموع، فإذا لم يكن ذلك في الفترات القصيرة التي قضاها الشيخ محي الدين في الأندلس بين رحلاته إلى المغرب كما رأينا أعلاه، فيبقى الاحتمال الأغلب أنه بعد سنة 595 وبالتالي قريبا من نهاية 596 قبل مغادرته الأندلس بشكل نهائي.

ولقد ذكرنا من قبل أن الشيخ محي الدين قد التقى بالخضر عليه السلام مرة في إشبيلية كما ذكرنا في الفصل الثاني، ومرة في تونس كما ذكرنا في الفصل الثالث، وهذه هي المرة الثالثة قريبا من روطة.

يتابع الشيخ محي الدين حديثه عن الخضر في الباب الخامس والعشرين من الفتوحات المكية كما ذكرنا أعلاه فيقول إنه التقى به للمرة الثالثة على ما يبدو بعدما التقى به في تونس سنة 590، فيقول إنه لما كان بعد ذلك التاريخ خرج إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعه رجل ينكر خرق العوائد للصالحين، فدخل مسجداً خراباً منقطعاً ليصلي فيه هو وصاحبه صلاة الظهر، فإذا بجماعة من السائحين المنقطعين دخلوا أيضاً يريدون الصلاة في ذلك المسجد وكان فيهم ذلك الرجل الذي كلمه على البحر في تونس وقيل له أنه الخضر، وفيهم أيضاً رجل كبير القدر أكبر منه منزلة وكان بينه وبين ذلك الرجل اجتماع قبل ذلك ومودّة.

فيقول الشيخ محي الدين أنه قام وسلّم على ذلك الرجل الذي يعرفه من قبل فسلّم عليه وفرح به وتقدم يصلي بهم. فلما فرغوا من الصلاة خرج الإمام وخرج الشيخ محي الدين خلفه إلى باب المسجد وكان الباب في الجانب الغربي يشرف على البحر المحيط بموضع يسمى بكة. فأخذ الشيخ محي الدين يتحدث معه على باب المسجد وإذا بذلك الرجل الذي هو الخضر قد أخذ حصيراً صغيراً كان في محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع من الأرض ووقف على الحصير في الهواء يتنفّل. فقال الشيخ محي الدين لصاحبه: أما تنظر إلى هذا وما فعل! فقال له: اذهب إليه واسأله. فترك الشيخ الأكبر صاحبه واقفاً وجاء إلى الخضر، فلما فرغ من صلاته سلّم عليه وأنشده من شعره بما فيه شيءٌ من النقد لهذا الفعل الخارق للعادة، إذ يجب على العارف بالله دائما أن يستتر من الكرامات:

شُغل المحبُّ عن الهواء بسرّه
العارفون عقولهم معقولة
فهمُ لديه مكرّمون وفي الورى

في حبِّ من خلق الهواء وسخّره
عن كلّ كون ترتضيه مطهّره
أحوالهم مجهولة ومُسَتَّره

فقال له الخضر أنه ما فعل ذلك إلا في حق هذا المنكر وأشار إلى صاحبه الذي كان ينكر خرق العوائد، وهو قاعد في صحن المسجد ينظر إليه، ليعلم أن الله يفعل ما يشاء مع من يشاء، فردّ الشيخ محي الدين وجهه إلى صاحبه المنكر وقال له: ما تقول؟ فقال: ما بعد العين ما يقال.

ثم يقول الشيخ محي الدين أنه رجع إلى صاحبه الرجل الآخر ذي المكانة الرفيعة والذي لم يسمّه، وهو ينتظره بباب المسجد، فتحدث معه ساعة وقال له: من هذا الرجل الذي صلى في الهواء؟ من غير أن يذكر له ما اتفق له معه قبل ذلك في تونس. فقال له: هذا الخضر.

وبعد ذلك يقول الشيخ محي الدين أنهم انصرفوا يريدون مدينة روطة وهي مكان يقصده الصلحاء من المنقطعين وهو بمقربة من بشكنصار على ساحل البحر المحيط.[510]

وبلدة روطة تقع على الشاطئ جنوب غربي إشبيلية وهي جنوب مدينة شريش وهي موضع رباطٍ ومقر للصالحين مقصود من الأقطار، كما يقول الحِميري في "صفة جزيرة الأندلس".[511]