شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

0.3 - مقدمة: الشمس تشرق من الغرب

وإنّي من حقيقتِه بسِـرّي
***
كمثلِ الشمس إذ تعطي سناها

ابن العربي (الديوان: ص 163) وسوف نذكر بقية القصدية بعد قليل.

علومٌ لنا في عالم الكون قد سرت
***
من المغرب الأقصى إلى مطلع الشمسِ

ابن العربي (الديوان: ص 49) وسوف نذكر بقية القصدية بعد قليل.

أشرقت في صفحاتِ الكتبِ
***
كلماتُ الشيخ ابن العربي
سافرَتْ أنوارها فوق المدى
***
بالهدى فأسفرتْ كالشهُبِ
واستقرّتْ في القلوب علومُها
***
وانطوى فيها ظلام الحجُبِ
واستوت كالشَّمس تبسط نورها
***
بعدما أن طلعتْ في المغربِ

وهذه الأبيات من كلام المؤلف، وهي من بحر الرمل.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الله تعالى في سورة فاطر: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ...[28]﴾، وقال أيضاً في سورة الزمر: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [9]﴾.

وذكر ابن القيّم في كتاب العلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

”مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَك الله بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الجَنّةِ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالحِيَتَانُ في جَوفِ المَاءِ، وَإنّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ علَى سَائِرِ الكَواكِبِ، وَإِنّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، وَرّثوا العِلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بِحَظّ وَافِرٍ” [أخرجه أبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223)، وأحمد (21715)].‏

وكذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيضاً في الحديث الذي صححه السيوطي: ”خمسٌ من العبادة: قلّةُ الطعمِ، والقعودُ في المساجدِ، والنظرُ إلى الكعبةِ، والنظرُ إلى المُصحفِ، والنظرُ إلى وجه العالِمِ” [كنز العمال: 43493].

فهذه محاولة متواضعة لرشّ بعض النور على جوانب حياة رجلٍ جليلٍ من علماء المسلمين كرّس حياته للعلم والمعرفة فوهبه الله منها الحظّ الوافر والقدْرَ العظيم، وقام هو بدوره ببثّ هذا العلم في كتبه العظيمة قالباً وقلباً، فأنار بها العالم كلّه شرقاً وغرباً.

ونريد من خلال دراسة سيرة هذا العارف الجليل أن نستكشف بعض هذه العلوم والمعارف التي أهداها لنا الله على يديه والتي وقف عندها العلماء والفلاسفة حائرين حيناً ومعجَبين حيناً وعاجزين في أغلب الأحيان عن الخوض في بحارها واستخراج جواهرها ومكنوناتها.

لقد وَهب محمّدٌ ابن العربي حياته كلَّها لتحصيل العلم والمعرفة، ولكنه لم يسلك في ذلك طريق الفكر والنظر مثل عامة العلماء على جلال قدرهم، وإنما سلك طريق التقوى التي هي الشرط الوحيد حتى يتولى اللهُ سبحانه وتعالى عباده بالتعليم، كما قال عزّ وجلّ في سورة البقرة: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [282]﴾، وقال أيضاً في سورة الأنفال: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً [29]﴾، أي ما تفرّقون به بين الحقّ والباطل. فمَن حقّق شرط التقوى حصّل الغاية العظمى من المعرفة الإلهية التي هي النور الحق المبين.

وهذه المعرفة التي تحصل بالتقوى هي المعرفة الكشفية الذوقية الوهبية عن طريق أرواح الأنبياء والملائكة الكرام الذين ينهلون من بحر المعرفة الأبدية محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهي معرفة يقينيّة تُدرَك بالبصيرة ولا يُداخلها الشكّ، بخلاف بقية العلوم النظرية المبنيّة على الفِكر الذي يصيب حيناً ويخطئ في أغلب الأحيان.

والفرق بينهما كالفرق بين من يذوق العسل ومن يقرأ عنه في الكتب أو يسمع عن وصفه ممّن ذاقه، فالأخير ربما يقارب الحقيقة بعد جهد وعناء وهو ليس فيها على يقين، وأما من ذاق فتحصل له المعرفة الضروريّة اليقينيّة بمجرّد الذوق وبلا جهد ولا تعب بل مع لذّة وهناء، ولكن بشرط سلامة المحل؛ فربما يذوق العسل من في فمه مرضٌ فيمجُّه ولا يستسيغ طعمه.

وبما أنّ المعرفة تحصل في النفس والقلب عن طريق الروح فإنه لا بدّ من تصفية القلب وتعديل المزاج وتزكية النفس حتى تكون محلاً مستقبلاً وقابلاً ثم جامعاً وواهباً لهذه المعرفة.

ومن هنا جاء التصوّف الإسلامي الصحيح المستند على أُسس الشريعة الإسلامية لتصفية النفس من كدورتها وشهواتها الطينيّة، وتصفية القلب من تعلّقه بالدنيا وطاعته العمياء للنفس القويّة المتمرّدة، وتزكية الروح لإصلاح علاقتها بأصلها وجوهرها الذي هو الروح القدسي الإلهي، وتحليلها من قيودها التي حصلت لها لارتباطها بهذا الجسد الفاني.

فإذا حصل ذلك كان الرجوع إلى الله تعالى، وهو التوبة الحقيقية، فيدخل القلب على الحضرة الإلهية عبداً محضاً خالياً من تعلّقاته بفنائه عن الدنيا وعن كلّ ما سوى الله تعالى وليس ثَم، ثم يخرج إلى العالم مكلّلاً ببهاء النور الإلهي محمّلاً بالمنح والعطايا، مليئاً بالإيمان العيانيّ اليقينيّ، فتصغر الدنيا في عينه ويزهد بها وبما يملك منها لأنّه يعلم يقيناً ومشاهدةً أنّ متاع الدنيا قليل ﴿وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ [198]﴾ [آل عمران].

وهذا الرجوع الحقيقي أو التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ليست مجرّد لفظٍ وقول، بل هي فعلٌ جازمٌ مع استقامةٍ دائمة، وليس ذلك بالأمر اليسير الذي يمكن أن يحصّله كلُّ إنسان، بل يحتاج إلى هِمّة عالية وإرادة قويّة وضع الإسلام جميع الأسس الموصلة إليها مثل الصوم وجهاد النفس وغيرها.

فالناس في ذلك على اختلافٍ كبيرٍ وطبقاتٍ عديدة؛ فمنهم من لا يُعير لذلك بالاً كأنّ الأمر لا يعنيه فيبقى منهمكاً في الدنيا وملذاتها، ومنهم من يدرك الهول فيسعى إلى الملاذ، وهنا تتفاوت الهِمم فيثبت الناصح وينكث الجامح، فمنهم من يدركُه التوفيقُ ومنهم من يخونُه الحظّ، ومنهم من ترفعُه العناية، ومنهم من يحطُّه القدَر، وكلُّ ذلك يتعلق بسلامة السريرة وحسن النيّة والإخلاص.

ولا بدّ من مُعينٍ لأنّ الطريق طويل؛ فلا بدّ من الاستعانة بمن سلك الطريق من قبل وعرف مخاطره ومفاوزه وهو الشيخ المرشد الذي قد أُذن له بالإرشاد إلى طريق الله تعالى عن طريق شيوخه الذين يتّصلون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسلاسل الرجال الشيوخ عن طريق الصحابة المقرّبين رضوان الله عليهم أجمعين. وبما أنّ الطريق يتعلق كثيراً بسلوك القلب والروح فكثيراً ما يحصل الاتصال مع أرواح الملائكة والأولياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام سواءٌ في المنام أو في اليقظة فيوجّهون المُريد إلى الطريق السديد ويكونون له عوناً في الأوقات العصيبة.

ومع أنه قد التزم مع العديد من الشيوخ المرشدين في أول حياته وتربّى على أيديهم، إلا أنّ رجوع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي رضي الله عنه إلى الطريق القويم في بداية شبابه كان على يد عيسى ابن مريم عليه السلام، وهو الذي تولاّه في جميع أموره، ثم بعد ذلك كان يتّصل رضي الله عنه بالأنبياء والرسل في المنام ومنهم رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم. فقد ترك لنا العديد من الكُتب التي كتبها من إلهام الله تعالى له عن طريق الأرواح العليا، كما ختم خزانة كتبه التي حوت المئات من الكتب الفريدة بكتاب فصوص الحكم الذي ناوله إياه نبيُّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم في رؤيا مبشرة رآه فيها في محروسة دمشق في العشر الأواخر من شهر محرم سنة 627 للهجرة، فأبرزه كما هو من غير زيادة ولا نقصان؛ ذلك الكتاب الذي ملأ ذكره الآفاق وله مئات الشروح كما أنه تُرجم إلى العديد من اللغات، رغم وجود بعض العبارات المبهمة التي لا يستطيع الوصول إلى مكنوناتها ومراميها إلا من كان له قلب رشيد أو ألقى السمع وهو شهيد.

فنحن نريد من خلال هذا الكتاب أن نتعرّف على حياة هذا العالِم الجليل الذي شهد له القريب والبعيد وملأت كلماته الأوراق وأضاءت علومه الآفاق.

0.3.1- التشبيه بالشمس

0.3.2- من هو الشيخ الأكبر

0.3.3- الطريقة الصحيحة لكتابة اسمه

0.3.4- عقيدته ومذهبه

0.3.5- اختلاف الناس حوله