|
|
![]() |
|
5.2.2.4 - فتاوى بعض فقهاء حلب
ولكن انطباع الشيخ محي الدين عن فقهاء حلب لم يكن ايجابياً مثلهم مثل الفقهاء في الأندلس ومصر ومكة الذين مرّ بهم الشيخ الأكبر أثناء ترحاله ووصفهم وانتقدهم في رسالته "روح القدس في مناصحة النفس" كما ذكرنا آنفا؛ فالفقهاء غالباً ما يسعون وراء الأمراء والجاه والسلطان فيُصدرون الفتاوي التي ترضيهم وترفع مراتبهم عندهم، وذلك بسبب غلبة الأهواء على النفوس وطلب المراتب مما أدى بالفقهاء لترك الشريعة التي هي المحجة البيضاء والجنوح إلى التأويلات البعيدة ليمشّوا أغراض الملوك فيما لهم فيه هوى نفس ليستندوا في ذلك إلى أمرٍ شرعي مع كون الفقيه ربما لا يعتقد ذلك ولكنه يفتي به.
ففي مدينة حلب أخبر الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي الشيخ محي الدين ابن العربي بذلك حيث وقع بينهما حديث في مثل هذا الكلام فنادى الملك بمملوكٍ له وقال له جئني بالحرمدان،[727]فقال له الشيخ: ما شأن الحرمدان؟ قال الملك: أنت تنكر عليّ ما يجري في بلدي ومملكتي من المنكرات والظلم، وأنا والله أعتقد مثل ما تعتقد أنت فيه من أنّ ذلك كله منكر، ولكن والله يا سيدي ما منه منكر إلا بفتوى فقيه وخطّ يده عندي بجواز ذلك، فعليهم لعنة الله. ولقد أفتاني فقيه هو فلان، وعيّن له أفضل فقيه عنده في بلده في الدين والتقشف، بأنه لا يجب عليّ صوم شهر رمضان هذا بعينه بل الواجب عليّ شهر في السنة والاختيار لي فيه أي شهر شئت من شهور السنة! قال السلطان فلعنته في باطني ولم أظهر له ذلك وهو فلان وسمّاه له، رحم الله جميعهم، كما يقول الشيخ محي الدين رضي الله عنه.[728]
ومن غير المستبعد أن يكون ما أثار هذا الحديث هو انتقاد الشيخ محي الدين للملك الظاهر الذي تم إعدام السهروردي خلال فترة حكمه كأمير في حلب قبل أكثر من عقدين. وهذا السهروردي الذي أصبح يعرف بالسهروردي القتيل هو مؤسس المذهب الإشراقي وهو غير شهاب الدين السهروردي الصوفي الشهير الذي يذكره الشيخ محي الدين ويقال إنه التقاه في بغداد أو مكة كما سنرى بعد قليل.
|
|
![]() |
|

