شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

1.1 - صحة نسبة الفهرس للشيخ محي الدين

يعتقد الأستاذ محمود غراب أنَّ نسبة هذا الفهرس للشيخ محي الدين غير ممكنة، بسبب وجود كتب مهمة ذكرها الشيخ في كتبه الأخرى ولم يذكرها في الفهرس، وكتب أخرى كثيرة ذكرها في الفهرس ولم يذكرها في الكتب الأخرى. ولكنَّ هذه الحجة غير صحيحة لأنَّ الشيخ نفسه يقول إنَّ إحصاءه هذا هو إحصاء تقريبي دوّن فيه ما تذكره في ذلك الوقت. ومع ذلك يمكن بسهولة تفسير سبب عدم ذكر بعض هذه الكتب لكونه ربما يكون قد كتبها في وقت لاحق، أو لأنها ضمن المجموعة التي لم يؤمر بإظهارها، كما ذكر بوضوح في الفهرس.

ومن بعض الحجج التي يأتي بها الأستاذ محمود على عدم صحة نسبة الفهرس إلى الشيخ محي الدين هي ذكره لكتاب "فصوص الحكم" الذي يقول عنه إنه لا يصح أيضاً نسبته إلى الشيخ، لوجود مسائل فيه تخالف ما ورد عنه في كتبه الثابتة الأخرى كالفتوحات المكية. لكن الحقيقة أنّ جميع هذه المسائل التي يذكرها الأستاذ محمود في دراسته للفصوص غير صحيحة ويمكن الرد عليها بسهولة؛ فلا يوجد أي تناقض، بل إنَّ نفس المشكلات التي يثيرها عالجها الشيخ في الفتوحات بشكل مشابه تماماً لما هو موجود في الفصوص، مما يؤكد نسبة الفصوص بدلاً من أن يناقضه. ثم إن التشكيك بفصوص الحكم يعني التشكيك بمئات العلماء الكبار الذين شرحوه واقتبسوا منه، والكثير منهم قريب عهد بالشيخ محي الدين ومن تلاميذه المباشرين كصدر الدين القونوي وإسماعيل ابن سودكين والكثير من الأجيال التي تلتهم مباشرة.

أما بالنسبة للكتب الكثيرة التي ذكرها الشيخ في الفهرس ولم يذكرها في كتبه الأخرى، فأغلبها تقع ضمن الفئة التي قال عنها الشيخ إنّه لم يحن بعد وقت إخراجها للناس، وبالتالي حتى لو كان قد ألفها قبل الفتوحات المكية، أو غيرها من كتبه المشهورة، فهو لن يستشهد بها قبل أن يحين وقت إخراجها. وبالنسبة لكتاب الفصوص تحديداً، كونه موضع الخلاف الأساسي عند من ينفي صحة نسبة الفهرس والإجازة، فهذا الكتاب كتبه الشيخ في العشر الآخر من أوّل شهر من سنة 627 هـ، وذلك بعد الانتهاء من الإصدارة الأولى للفتوحات المكية، كما بيّنّا في المجلد الأول، وبالتالي لم يذكره الشيخ في الفتوحات رغم أنه أصدرها مرة أخرى بعد ذلك، لكنَّ هذه الإعادة لم يكن فيها إضافة موضوعات جديدة، وإنما هي مجرد تنقيح للإصدارة الأولى. يضاف إلى ذلك أيضاً أنَّ هذا الكتاب معدود من ضمن كتب الأسرار التي لم يشأ الشيخ أن يُظهرها قبل وقتها، فكيف يستشهد بها!

ويذكر الناقد كذلك أنَّ بعض الكتب ذُكرت في الفهرس مرتين؛ فهو يقول إنَّ "الدرة الفاخرة" هو "روح القدس"، وهذا غير صحيح بل هما كتابان مختلفان، رغم وجود موضوعات متقاطعة بينهما، لكن رسالة الدرة الفاخرة (46) مفقودة، لأنّ الشيخ كتبها في المغرب ولم يجلبها معه إلى المشرق، مع أنه أعاد كتابتها بشكل مختصر، ووصفها يختلف عن وصف روح القدس المذكورة أدناه تحت رقم (54)، رغم وجود بعض التقاطعات بينهما. ويقول كذلك إنّ كتاب "(184) ترجمان الأشواق" و"(191) ذخائر الأعلاق" هما كتاب واحد، وهذا أيضاً غير صحيح، بل الثاني شرح للأول، وقد كتبهما الشيخ في أوقات مختلفة. ومع ذلك، فحتى لو تصوّرنا أن هناك عناوين مكررة، وأنَّ هذا التكرار واقع في النسخة الأصلية، وليس فقط بسبب أخطاء النساخ، فهذا لا يعدو كونه خطأ عرضي ناتج عن تداخل عناوين الكتب وموضوعاتها، ولا يؤثر هذا مطلقاً على نسبة هذه الرسالة للشيخ محي الدين بعد وجود هذه المخطوطات الأصلية التي تثبت صحّة ذلك.

كذلك يقول الناقد إن الشيخ محي الدين كان أولى أن يكتب فهرساً بمؤلفاته لأحد ولديه اللذَين عاشا معه وكانا يحضران مجالسه عند قراءة الفتوحات المكية، بدلاً من أن يكتبه لتلميذه وربيبه صدر الدين القونوي! ولكنَّ هذه ليست حجة على الإطلاق، أوّلاً لأنَّ الشيخ لم يحدِّد الشخص الذي كتب له هذا الفهرس، وثانياً لأنَّه أدرى بأولاده وتلاميذه وهو يعرف من هو أولى بالإجازة أو العناية الروحانية منهم. ولقد أثبت التاريخ أنَّ ربيبه صدر الدين القونوي كان أهلاً لحمل كتبه وعلومه وأكثر كفاءة من ولديه الذين ليس لهما شأن يُذكر في هذا الخصوص، رغم كونهما من أهل الفضل والأدب. ويحضرني هنا أن أذكر عبارة نقلها لي بعض المعمرين بدمشق من الشيوخ الكبار الذين يسكنون في حي الشيخ محي الدين، وهو ممن عاشر شيوخاً كباراً كانوا على اتصال متسلسل مع الشيخ محي الدين نفسه، ومع مريديه الذين يعتكفون في ذلك الجامع، فيقول هذا الشيخ الجليل إنَّ الشيخ محي الدين يقول: "خُبثُ الرجل الصالح بمَنِيه!" مما يعني إنَّه لم يكن راضٍ تمام الرضى عن سلوك ولديه عماد الدين وسعد الدين، رغم أنهما كانا فاضلين، ولكن لم يكونا على تلك الدرجة العالية التي كان يرجو لهما، وربما كان يتمنى أن يكونا مثل صدر الدين الذي تبنَّاه بعد وفاة والده إسحق القونوي.

يضاف إلى ذلك أن الشيخ محي الدين لم يكتب الفهرس للقونوي خاصة، بل إنَّه لم يقل إنَّه كتبه له، وكذلك لم يكتبه بما يشبه الإجازة، لأنه يذكر تفاصيل بديهية يعرفها القونوي؛ مثل وصفه لكتاب (52) الفتوحات المكية وغيره. ويبدو جلياً لمن يقرأ الفهرس أن الشيخ محي الدين يحصي بعض كتبه ويعرِّفها للناس جميعا وليس للقونوي تحديداً، الذي كتب قائمة أخرى بالكتب التي قرأها على أستاذه، أو سمعها منه، وهي الإجازة المعروفة من الشيخ محي الدين إلى الشيخ صدر الدين، والتي سنذكرها في الفصل الثاني.

فجميع هذه الحجج هي في الحقيقية حجج واهية وداحضة، ولا تقلل أبداً من شأن هذا الفهرس وأهميته، ولا تؤثر على صحة نسبته إلى الشيخ محي الدين، إذ لا يمكننا أن ننفي صحة وثيقة تاريخية موجودة بشكل يقيني ومثبتة، إلا عن طريق أدلة يقينية ومثبتة، كأن يكون فيها مثلاً ذكر لكتاب صنَّف بعدها، أو ذكر كتب معروفة أنَّها ليست للشيخ محي الدين. أما الأدلة الظنية، والاستدلالات غير المنطقية، فهي لا تعبِّر إلا عن رأي صاحبها.

من جهة أخرى، لا يوجد أي سبب لتزوير مثل هذه الوثيقة، خاصة وأنَّ أغلب الكتب المذكورة فيها لا تزال كتباً مفقودة حتى الآن، وبالتالي ما حاجة من يريد أن يدسَّ على الشيخ محي الدين أن ينسب إليه كتباً مفقودة! أما فيما يخص كتاب فصوص الحكم الذي ينفي الناقد نسبته للشيخ محي الدين، فهذا أمر مردود عليه كما نوَّهنا أعلاه. ولو فرضنا جدلاً أنَّ كتاب الفصوص، أو أيَّ كتاب آخر غير مذكور في الفهرس أو الإجازة أو غيرهما، فهذا لا يعني عدم صحة نسبته إلى الشيخ، لأنه كتاب موجود فعلياً وله نسخ مخطوطة كثيرة، تاريخية وحديثة، ومشروح من قبل كبار الشيوخ على أنه للشيخ محي الدين، في حين لم يدَّعِ أحد آخر نسبة هذا الكتاب إلى أيِّ مؤلف آخر. فإذا لم يكن هذا الكتاب للشيح محي الدين، فمن هو مؤلفه؟ علماً أنه من الكتب البليغة والفائقة في الدقة والتعبير وعمق الموضوعات المطروحة مما لا يوجد مثلها في أي كتاب آخر على الإطلاق.