شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

1.9.7 - الشيخ محي الدين والمذاهب الصوفية والفكرية الأخرى

يخطئ الكثير من الدارسين لابن العربي حين يعدّون أنه قد تأثر بالمذاهب الفكرية والفلسفية الأخرى كالأفلاطونية الحديثة وغيرها.[57]فلا شكّ أن هناك بعض التشابه بين علوم الشيخ الأكبر وبعض هذه المذاهب ولكن هذا لا يعني أبداً تأثّر الشيخ بها.فكما هو معروف في التصوف عموما لقد ثبت في كلام الشيخ محي الدين أنه لا يكتب من فكره وإنما ممّا علّمه الله تعالى عن طريق الكشف، فيقول الشيخ في الفتوحات:

فلا أتكلم إلا على طريق الإذن كما أني سأقف عندما يُحدّ لي؛ فإن تأليفنا هذا وغيره لا يجري مجرى التواليف ولا نجري نحن فيه مجرى المؤلفين، فإن كل مؤلف إنما هو تحت اختياره، وإن كان مجبوراً في اختياره، أو تحت العلم الذي يبثّه خاصّة؛ فيلقى ما يشاء ويمسك ما يشاء، أو يلقي ما يعطيه العلم وتحكم عليه المسألة التي هو بصددها حتى تبرز حقيقتها، ونحن في تواليفنا لسنا كذلك إنما هي قلوب عاكفة على باب الحضرة الإلهية، مراقبة لما ينفتح له الباب، فقيرة خالية من كل علم، لو سُئلت في ذلك المقام عن شيء ما سمعت لفقدها إحساسها؛ فمهما برز لها من وراء ذلك الستر أمرٌ ما بادرت لامتثاله وألّفته على حسب ما يحدّ لها في الأمر.[58]

وعلى كلّ حال فإن هذا لا يعني أن الشيخ محي الدين لم يطّلع على الكتب الأخرى، وإن كان على الحقيقة لم يعكف أبدا على الدراسة إلا فيما يخص القرآن الكريم والحديث الشريف، كما سنرى في الفصل القادم، وهو لم يتطرّق أبداً للعلوم النظرية كالفلسفة والفقه وغيرها.

أما بخصوص المذاهب الصوفية الأخرى، فإن الشيخ محي الدين كذلك لم يتأثّر بها بمعنى أنّه لم يقم بتقمّص أي مذهب محدد، ولكنه لا شكّ اتّبع سنّة أهل الله في الذكر والزهد والخلوة وغيرها مما هو معروف في طريق الصوفية. وكما سنرى في الفصل القادم، فإن الشيخ محي الدين رضي الله عنه قد سبق فتحه رياضته، بمعنى أنه لم يسلك طريق التصوف ابتداءً ولم يمرّ في مراحل السلوك الطويلة التي عادة ما يكابدها المريدون حتى يصلوا إلى الفتح، بل كان الأمر معكوسا بالنسبة له لأنه كان مُراداً قبل أن يكون مريداً.

ومع ذلك فقد التزم الشيخ الأكبر مع شيوخ التصوف المعروفين في وقته كما سنذكرهم بعد قليل في الفصل الثاني، ولكنّه لم يتأثّر كثيرا بالصوفية السابقين رغم أنه كثيرا ما يستشهد بكلامهم. وهذا بخلاف ما يحاول الباحث أسين بلاثيوس إثباته في كتبه بأن الشيخ محي الدين قد تأثر بالمدارس الصوفية التي كانت سائدة في الأندلس كمدرسة المرية وابن مسرّة (توفي 319/931) مع أنه أحيانا يستشهد بأقواله.[59]