شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

1.9.1 - معنى التصوف عند الشيخ محي الدين

فالحقيقة إذاً أنّ الشيخ محي الدين ابن العربي لم يكن صوفيا بالمعنى الدقيق للكلمة، حيث أنه لم يكن يظهر أي شيء من الكرامات أو خرق العوائد، وما تميّز به من العلم والمعرفة يمكن من حيث العموم أن يظهر على أي عالم أو فقيه، فلم يكن الشيخ محي الدين صوفيا على التحديد وإنما كان من رجال الله تعالى وله مرتبة مميّزة كما سنرى خلال هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. أما إذا أخذنا التصوف بالمعنى العام وهو بمعنى تصفية النفس وصفاء القلب لعبادة الله تعالى، فقد كان هذا مذهب المسلمين الأوائل وغيرهم الكثير من رجال الله تعالى والشيخ محي الدين كان من أبرزهم.

ومن الصوفية الأوائل إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار وبشر الحافي الذين اشتهروا بالزهد والتفرّغ للعبادة. وكذلك من الصوفية الكبار: أبو القاسم الخراز (توفي 298/910) المعروف بالجنيد ويلقب بسيد الطائفة، وأبو يزيد البسطامي (263/876) وذو النون المصري (توفي 245/859) والحلاج (توفي 309/921) والحكيم الترمذي (توفي320/932) وأبو بكر الشبلي (334/945) الذين يتشهد بهم الشيخ محي الدين كثيرا.

ولكن الطرق الصوفية المعروفة اليوم لم تنشأ إلا في وقت متأخر مواز للفترة التي كان بها الشيخ محي الدين ابن العربي. ومن أهم الطرق الصوفية الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني (توفي 561/1165) والرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي (توفي 540/1145) والشاذلية المنسوبة إلى أبي الحسن الشاذلي (توفي 656) والدسوقية والمولوية والبدوية وغيرها من الطرق الكثيرة المنسوبة للشيوخ الكبار في تاريخ الصوف. ومن الطرق الحديثة الطريقة النقشبندية المنسوبة إلى محمد بهاء الدين النقشبندي (توفي 791/1389).

ومن أشهر شيوخ التصوف الذين ظهروا بعد الشيخ محي الدين ابن العربي: الشيخ أبو الحسن الشاذلي (توفي 656/1258)، والشيخ عبد الغني النابلسي (توفي 1287/1870) وقد تأثر كثيرا بالشيخ الأكبر وكتب العديد من الكتب حوله، وأبو الهدى الصيادي الرفاعي (توفي 1287/1870) و أحمد التيجاني (توفي 1230/1815).

وبشكل عام يمكن أن نقسم تاريخ التصوف إلى مرحلتين. ففي المرحلة الأولى، في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والتابعين، كان التصوف موجودا من غير أن يأخذ اسما أو هيكلية محددة بل كان جزءً لا يتجزّأ من الإسلام الذي شرع الأخلاق والزهد والعبادة ونظمها على أحسن نظام، ثم في المرحلة الثانية بدأت تتسرب بعض الأفكار الغريبة من معتنقي الديانات والفلسفات الأخرى وتدخل إلى الإسلام، وبدأ التصوف يأخذ شكلا منهجيا خرج في كثير من الأحيان عن روح الإسلام وتعاليمه.

ولكن لا بدّ من التأكيد على أن الانحراف لم يحصل فقط في التصوّف وإنما في تصرّف بعض المسلمين سواء كانوا ممكن ينتسبون إلى التصوّف أو لا، وبالتالي لا يمكن لهذا الانحراف أن ينسف قواعد التصوّف كما لا يمكن له أن ينسف قواعد الإسلام، فلا يجوز الحكم على المذهب من خلال بعض المنتسبين إليه، بل لا يجوز الحكم على المذهب ككل وإنما يُنظر إلى أسسه المختلفة ويحكم عليها من خلال مدى توافقها مع ما ثبت من الشريعة الإسلامية، فإن توافقت في كثير واختلفت في قليل حاولنا تعديل هذا القليل وتقويمه وإعادته إلى نصابه.