شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.1.8.5 - الشيخ أوحد الدين حامد الكرماني (قونية)

وفي قونية تعرّف الشيخ محي الدين على الشيخ أوحد الدين الكرماني (559/1164-635/1238)[685]الذي سيكون له أثر كبير في نشر التصوف في شمال شرق آسيا وإيران، وكذلك سوف يكون له دور كبير هو والشيخ محي الدين في تربية صدر الدين القونوي بعد وفاة والده الشيخ مجد الدين الرومي وهو الذي سيكون له الفضل في نشر التصوف في البلاد التركية.

والشيخ أوحد الدين أصله من إيران، من كرمان، وكان ابن أمير من السلاجقة هناك، ثم ذهب إلى بغداد للدراسة وأصبح شيخاً لأحد الفتوّات هناك، ثم جاء إلى الأناضول لإصلاح المؤسسات الدينية عن طريق الفتوات التي أثبتت نجاحها في بغداد. ولكن يبدو أن الشيخ الكرماني واجه معارضة شديدة في قونية فغادرها واستقر في قيصرية، نحو الشمال بين قونية وملطية.[686]

ولقد كان للشيخ أوحد الدين دور مهم في نشر التصوف في هذه المناطق وشكّل ما أصبح يعرف بالطريقة الأوحدية التي تعتمد أصولها على التحليق في الآفاق والأنفس والهيام في جمال حسان الوجوه لبلوغ العشق الإلهي. ولكن بعض الدراسات عن حياة أوحد الدين كرماني ومؤلّفاته ورباعيّاته ومنهجه في السير والسلوك الصوفي، تشير إلى أنه كان مفتوناً بجمال الشباب.[687] وهو الأمر الذي يرفضه الشيخ محي الدين رفضا قاطعا كما وضّح في الباب الثامن ومائة، الذي خصصه الشيخ لمعرفة الفتنة والشهوة وصحبة الأحداث والنسوان، أن ذلك يعدّ من سوء المزاج وأن الشيوخ إنما حذّروا من أخذ الرفاق من النساء ومن صحبة الأحداث لما فيه من الميل الطبيعي، ثم يضيف أنه حرام على المريدين والصوفية صحبة الأحداث لاستيلاء الشهوة الحيوانية عليهم بسبب العقل الذي جعله الله مقابلاً لها فلولا العقل لكانت الشهوة الطبيعية محمودة. ولكن هذا لا يعني الابتعاد عن الأحداث، وهم صغار السن، والنفور منهم وجفاءَهم وخاصة بالنسبة للشيوخ الذين لهم قدمٌ راسخة في الطريق، لأنهم حديثو عهدٍ بربهم فهم أقرب دلالة وأعظم حرمة وأوفر لدواعي الرحمة به من الكبير البعيد عن هذا المقام.[688]

لقد ساهم الشيخ أوحد الدين الكرماني بنقل التجربة الصوفية الشرقية إلى الشيخ محي الدين عن طريق الروايات التي كان يرويها له عن أهل العراق والمشرق، فقد ذكر الشيخ محي الدين مثلا في الفتوحات المكية أن الشيخ الكرماني حدثه عن كرامة رآها من شيخ كان يخدمه وهو شاب فمرض ذلك الشيخ وأخذ بطنه يؤلمه كثيرا، فقال له يا سيدي اتركني أطلب لك دواء ممسكاً من صاحب مارستان سنجار من السبيل. قال الكرماني: فلما رأى احتراقي قال لي رح إليه. فلما راح إلى صاحب السبيل، وهو في خيمته جالس ورجاله بين يديه قائمون والشمعة بين يديه وكان صاحب المرستان والكرماني لا يعرفون بعضهم. فلما رآه واقفاً بين الجماعة قام إليه وأخذ بيده وأكرمه وسأله عن حاجته فاستحضر له الدواء وأعطاه إياه وخرج معه في خدمته والخادم بالشمعة بين يديه. فلما جاء للشيخ وأعطاه الدواء وذكر له ما حصل، تبسم الشيخ وقال له: يا ولدي إني أشفقت عليك لمّا رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك فلما مشيت خفت أن يخجلك الأمير بعدم إقباله عليك فتجردت عن هيكلي هذا ودخلت في هيكل ذلك الأمير صاحب المرستان وقعدت في موضعه فلما جئتَ أكرمتُك وفعلتُ معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي، هذا ولا حاجة لي في هذا الدواء وما استعمله![689]