2.2.11 - مقرئٌ ومربٍّ
ويبدو أن الشيخ اللخمي كان صوفيا أيضاً وكان بارعا في التربية كما هو بارع في القراءات، فكان مثلا يعلّم تلاميذه الأدب وحفظ السرّ حتى عن الأصدقاء.[100]
والأهم من هذا أنه كان يعلّم تلاميذه التفكّر في معاني الآيات وعدم الاكتفاء بقراءتها على وجه السرعة بهدف الانتهاء من الختمة في وقت قصير. يروي عنه الشيخ الأكبر أنه كان يقصّ عليهم قصةً لطيفةً حول هذا المعنى، وهي القصة المشهورة حول الشاب الذي كان يقرأ القرآن كاملا كلّ ليلة حتى طلب منه شيخه أن يتخيّل أنه يقرأ القرآن عليه؛ فعندئذ ما استطاع أن يقرأ أكثر من نصف القرآن، وهكذا تدرّج معه فقال له: تخيّل أنك تقرؤه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أُنزل عليه القرآن، ثم بين يدي جبريل الذي نزل به على قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فما استطاع أن يزيد على عدة آيات. ثم قال له الشيخ يا ولدي "تب إلى الله وتأهّب واعلم أن المصلي يناجي ربه وإنك واقفٌ بين يديه تتلو عليه كلامه فانظر حظك من القرآن وحظّه وتدبّر ما تقرأه، فليس المراد جمع الحروف ولا تأليفها ولا حكاية الأقوال، وإنما المراد بالقراءة التدبّر لمعاني ما تتلوه فلا تكن جاهلاً!" فعندئذ لم يستطع الشاب أن يكمل الفاتحة لأنه لا يستطيع أن يقول "إيّاك نعبد" لأنه يخاف أن لا يصدق وهو يعلم أنه لمّا يُخلص بعدُ العبادة لله تعالى.[101]
فلا شك أن مثل هذه القصص ذات الطابع الصوفي كان لها تأثيراً كبيراً على روح ابن العربي الشاب الذي كان الصدق عنده ملكةً كما رأينا في الأعلى عندما ذكرنا قصته مع حمر الوحش.