0.2.1 - موقف المؤلف من الشيخ الأكبر
يرى البعض أن الباحث أو الكاتب يجب أن يكون حيادياً تماماً في الموضوع الذي يناقشه، ولقد حاولت أن أكون كذلك في أغلب الأحيان، ولكنني لا أستطيع أن أخفي انحيازي التام للشيخ محي الدين ابن العربي رضي الله عنه وإيماني بكلّ ما يقوله، والذي لا يخالف صريح العقيدة الإسلامية المعتمدة على القرآن الكريم والسنّة الشريفة. وكذلك لا أخفي انحيازي التام في تأويل أقواله وتصرّفاته والأحداث التي مرّ بها لصالحه وذلك من باب حسن الظنّ أوّلاً ثم من باب الإيمان والاعتقاد بنزاهته عن كلّ ما يمكن أن يمسّ الأخلاق أو العقيدة الإسلامية، رغم أنني لا أسلّم بعصمة أحدٍ غيرِ الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ومن هذا المنطلق فإنّ هذا الكتاب يدمج بين الدراسة الأكاديمية والنقدية وبين المواقف الدفاعية عن كلّ ما اتُّهم به ابن العربي، رغم أنني حاولت في الفصل الأخير أن أناقش جميع وجهات النظر المختلفة بحياد تام وخاصة تلك التي تنتقد الشيخ الأكبر، بل وجدت توافقاً خفياً بين ابن العربي وخصومه الذين لم يفهموه.
ومن جهة أخرى فمن المعروف أن التصوّف يعتمد بشكل أساسي على علم الكشف، وهو علم ذوقي لدنّي لا يدخل دائماً تحت مظلّة العقل والمنطِق والبراهين، وبالتالي لا يمكن الدفاع عنه وحمل القرّاء والمستمعين على التصديق به. ولذلك لم أحاول كثيراً إقناع القارئ بالأدلّة والبراهين على كلّ ما أقوله أو أنقله عن الشيخ محي الدين من الأمور الغريبة كلقائه بالخضر عليه السلام ورؤيته للأرواح. وكلّ ما أرجوه من القارئ الكريم الإنصاف والتمهّل قبل الإنكار؛ فليس كلّ غريب مستحيل إلاّ إذا وجدنا على عكسه الدليل، وليس بالعكس!
فممّا يُؤسف له أنّ أغلب الناس وكثيراً من العلماء والمثقفين اعتادوا على رفض كلّ ما لم نقدّم لهم عليه برهاناً، وكأننا قد أحطنا بجميع العلوم وأن كلّ ما وراء معرفتنا جهل وظنون. فليس الأمر كذلك وهذا المبدأ خاطئ بل يجب على الإنسان المنصف أن يترك كلّ ما هو غريب من العلم في مجال الاحتمال حتى يجد له أو عليه دليلاً. فمتى وجد له دليلاً يقبله ومتى وجد عليه دليلاً يرفضه بحذرٍ شديدٍ. وفي كلّ الأحوال هناك أنواع من العلم الضروري الذي لا يوجد له ولا عليه دليل، وخاصة علوم الذوق والمشاهدة التي تحصل في القلب ولا يمكن للإنسان رفضها لعلمه اليقيني بصحّتها حتى وإن لم يملك عليها دليلاً.
وبما أن المصادر التاريخية عن ترجمة ابن العربي قليلة جداً وجميعها تعتمد على ما ذكره الشيخ نفسه في كتبه المتفرّقة، فقد اعتمدتُ في هذا الكتاب على سياسة النقل والإكثار من الروايات حتى أترك ابن العربي يتكلّم بنفسه ولم أتدخّل بالشروح إلاّ وقت الضرورة، فلم يكن عملي في هذا الكتاب أكثر من جمع النصوص ووضعها في سياقها التاريخي مع إضافة بعض التحليلات البسيطة حتى نملأ الفراغات التي لا نملك حولها معلومات كافية.