شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.2.5.1 - شهاب الدين السهروردي (بغداد/مكة 608)

تؤكد العديد من المصادر أن الشيخ محي الدين التقى بشهاب الدين أبي حفص عمر السهروردي في هذه السنة إما في بغداد أو في مكة المكرمة. يقول المقرِّي في "نفح الطيب" أن عبد الله بن سعد اليافعي اليمني ذكر في "الإرشاد" أنّه لما اجتمع ابن العربي مع الشهاب السّهروردي أطرق كلّ واحد منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام! فقيل للشيخ ابن عربي: ما تقول في السّهروردي؟ فقال: مملوءٌ سنّةً من قرنه إلى قدمه. وقيل للسّهروردي: ما تقول في الشيخ محي الدين؟ فقال: بحرُ الحقائق.[748]

والسهروردي هو الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عمويه السهروردي، ولد سنة 539/1144 ودرس في بغداد وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي وأخذ العلوم عن علماء عصره حتى تصدّر مجالس العلم واشتهر. ثم تولى مشيخة عدة ربط للصوفية كرباط الزوزوني ورباط المأمونية وكان له مكانة عظيمة عند الخليفة العباسي الناصر لدين الله وأصبح سفيراً له إلى الملوك والأمراء. ومن أهم مؤلفاته كتاب "عوارف المعارف"، وتنسب إليه الطريقة النقشبندية السهروردية.[749]توفي السهروردي رحمه الله سنة 632/1235 في بغداد، ومقامه لا يزال هناك يزار في منطقة تسمى الشيخ عمر.

وتجدر الإشارة إلى أن شهاب الدين السهروردي هو غير السهروردي المقتول مؤسس المذهب الإشراقي والذي أعدم في حلب بأمر من صلاح الدين الأيوبي بسبب دسائس الفقهاء عليه سنة 586/1191 لدى الملك الظاهر ملك حلب والذي اشتكى ذلك لابن العربي كما رأينا أعلاه.

وقد نقل الشيخ محي الدين بشكل غير مباشر عن الشيخ شهاب الدين السهروردي عدة أقوال منها ما قاله في الباب الخمسين وثلاثمائة حيث يقول الشيخ رضي الله عنه:

وقد بلغنا عن الشيخ العارف شهاب الدين السهروردي ببغداد رضي الله عنه أنه قال بالجمع بين المشاهدة والكلام، ولكن ما نقل عنه أكثر من هذا؛ فإني سألت الناقل فلم يذكر لي نوع التجلي. والظن بالشيخ جميل فلا بد أنه يريد التجلي الصوري.[750]

ثم يوضح الشيخ محي الدين معنى ذلك فيقول إن الخطاب في حال الفناء (الذي لا بدّ أن يحصل عند المشاهدة) لا يصح لأن فائدة الخطاب أن يُعقل، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في سورة الشورى: [b]((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [51]))[/b]، وبالتالي لا يمكن الجمع بين المشاهدة والكلام.

ويوضح الشيخ محي الدين ذلك أيضاً في الباب الواحد والسبعين عندما كان يتكلم عن حكم القبلة للصائم فقال إن المشاهدة والكلام لا يجتمعان في غير التجلي البرزخيّ. ثم قال: "وهو كان مقام شهاب الدين عمر السهرورديّ الذي مات ببغداد رحمه الله، فإنه رَوى لي عنه من أثق بنقله من أصحابه أنه قال باجتماع الرؤية والكلام، فمن هنا علمت أن مشهده برزخي، لا بدّ من ذلك غير ذلك لا يكون".[751]

وكذلك يعيد الشيخ الأكبر ذلك في الباب الخمسين وخمسمائة "في معرفة حال قطب كان منزله "فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ"،[752]ويضيف أن التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري، ومن لم يرَ غيره ربّما حكم على التجلي بذلك مطلقاً من غير تقييد، أما الذي ذاق الأمرين (أي الفناء في الحق بالإضافة إلى التجلي الصوري) فقد فرّق. ثم يقول إنه بلغه عن الشيخ المسن شهاب الدين السهروردي ابن أخي أبي النجيب أنه يقول بالجمع بين الشهود والكلام، فعلم مقامه وذوقه عند ذلك وعلم أنه في مرتبة التخيّل وهو المقام العام الساري في العموم وأما الخواص فيعلمونه ويزيدون بأمرٍ ما هو ذوق العامة. ولكنه يقول عن السهروردي: فما أدري هل ارتقى بعد ذلك أم لا.[753]