شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.4.3.19 - وراثة الأنبياء

وقبل المضيّ قدما في ذكر شيوخ الشيخ محي الدين ابن العربي، قد يكون من المستحسن هنا أن نوضّح بعض المفاهيم التي مرّت معنا أعلاه مثل مفهوم وراثة الأنبياء وشجرة الأولياء كالقطب والإمامين والأوتاد والأبدال وغير ذلك.

فيقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن العلماء ورثة الأنبياء،[214]فيوضّح الشيخ محي الدين أن منهم من يرث محمدا ومنهم من يرث عيسى ومنهم من يرث موسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام. ولكن بما أن شرع محمد عليه الصلاة والسلام كان ناسخا لما قبله، فإنه يتضمّن كل الشرائع التي سبقته، ثم تميّز عنها ببعض الأمور. فإذا ورث العالِمُ أمراً خاصّاً بشرع محمد كان وارثاً محمديّاً، أما إذا ورث أمراً مشتركاً مع أيّ شرع سابق فإنه وارثٌ للنبي المخصوص بهذا الشرع. ولكن ابن العربي يوضّح أن كلّ الوراثة تكون في الحقيقة من العلم المحمّدي، فيقول:

ثم اعلم أيها الولي الأكرم أنك وإن ورثت علماً موسوياً أو عيسوياً أو غيرهما مما كان من الرجال بينهما فإنّما ورثت علماً محمّديّاً ساويت فيه ذلك النبيّ لعموم رسالة محمد الحائز المقام العليّ إليه ترجع عواقب الثناء فهو صاحب جوامع الكلم المسماة بتلك الأسماء، فلآدم الأسماء ولمحمد الاسم والمسمّى والجامع لهما لا شك أنه صاحب المقام الأسمى وحجاب العزة الأحمى.[215]

وفي الباب السادس والثلاثين في معرفة العيسويين وأقطابهم وأصولهم أنه لما كان شرع محمد صلّى الله عليه وسلّم تضمّن جميع الشرائع المتقدمة وأنه ما بقي لها حكم في هذه الدنيا إلا ما قررته الشريعة المحمدية، فبتقريرها ثبتت فتعبّدنا بها نفوسنا من حيث أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم قرّرها لا من حيث أن النبي المخصوص بها في وقته قرّرها. فلهذا أوتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوامع الكلم. فإذا عمل المحمدي -وجميع العالم المكلف اليوم من الإنس والجن محمدي ليس في العالم اليوم شرع إلهي سوى هذا الشرع المحمدي- فلا يخلو هذا العامل من هذه الملة أن يصادف في عمله فيما يفتح له منه في قلبه وطريقه ويتحقق به طريقة من طرق نبي من الأنبياء المتقدمين مما تتضمنته هذه الشريعة وقررت طريقته وصحبتها نتيجته، فإذا فتح له في ذلك فإنه ينتسب إلى صاحب تلك الشريعة فيقال فيه عيسوي أو موسوي أو إبراهيمي وذلك لتحقيق ما تميّز له من المعارف وظهر له من المقام من جملة ما هو تحت حيطة شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فيتميّز بتلك النسبة أو بذلك النسب من غيره ليُعرف أنه ما ورث من محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا ما لو كان موسى أو غيره من الأنبياء حيّاً وتبعه ما ورث إلا ذلك منه. ولمّا تقدمت شرائعهم قبل هذه الشريعة جعلنا هذا العارف وارثاً إذ كان الوِرث للآخر من الأول فلو لم يكن لذلك الأوّل شرع مقرر قبل تقرير محمد صلّى الله عليه وسلّم لساوينا الأنبياء والرسل إذ جمعنا زمان شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم كما يساوينا اليوم إلياس والخضر وعيسى إذا نزل فإن الوقت يحكم عليه إذ لا نبوة تشريع بعد محمد صلّى الله عليه وسلّم.[216]

ثم يوضح في الباب الخامس والأربعين آلية حصول هذه الوراثة فيقول إن من الرجال الواصلين من يصل إلى حقائق الأنبياء ولطائفهم فإذا وصلوا فتح لهم باب من لطائف الأنبياء على قدر ما كانوا عليه من الأعمال في وقت الفتح فمنهم من يتجلى له حقيقة موسى عليه السلام فيكون موسويّ المشهد ومنهم من يتجلى له لطيفة عيسى وهكذا سائر الرسل فينسب إلى ذلك الرسول بالوراثة، ولكن من حيث شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم المقررة من شرع ذلك النبيّ الذي تجلى له.[217]

وكذلك فإن الشيخ محي الدين يقول إن العلماء قد ينتقلون من ورث نبي إلى نبي غيره حتى يصلون إلى الوراثة المحمدية الكاملة، فهو يقول في الباب الثاني والستين وأربعمائة أن الأقطاب المحمديين هم الذين ورثوا محمداً صلّى الله عليه وسلّم فيما اختص به من الشرائع والأحوال مما لم يكن في شرع تقدمه ولا في رسول تقدمه فإن كان في شرع تقدم شرعه وهو من شرعه أو في رسول قبله وهو فيه صلّى الله عليه وسلّم فذلك الرجل وارث ذلك الرسول المخصوص ولكن من محمد صلّى الله عليه وسلّم فلا ينسب إلا إلى ذلك الرسول وإن كان في هذه الأمة فيقال فيه موسوي إن كان من موسى أو عيسوي أو إبراهيمي أو ما كان من رسول أو نبي ولا ينسب إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا من كان بمثابة ما قلناه مما اختص به محمد صلّى الله عليه وسلّم وليس أعمّ في الاختصاص من عدم التقييد بمقام يتميز به فما يتميز المحمدي إلا بأنه لا مقام له يتعين فمقامه أن لا مقام وهو الأدب.[218]