شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.4.6.8 - ذبح النفوس أعظم في الألم من الذبح المحسوس. مخالفة الآراء أعظم في الشدة من مقابلة الأعداء. مجانبة الأغراض غاية الأمراض. من فاز بمخالفة النفس سكن حظيرة القدس. من نهى النفس عن الهوى كانت له جنة المأوى. لا ينهاها إلا من خاف مقام ربه وخاف عقوبة ذنبه والتزم الوفاء وتميّز في أهل الصفاء وقام بما كلف فقبِل وما عنف.

ثم قال:

ولقد رأيت هذه الليلة واقعة ما شيّب سالفتي وقد نظمت ما رأيته وفي هذا الباب كتبته وفي النوم قلته:

لا بد من خوف ومن شدة
في حلب من حَكَمٍ جائر
ينزل من قلعتها راجلا
كأنه الحجاج في حكمه
يجور في الخلق بأحكامه
قد نزع الرحمن من قلبه
في صورة الحجاج أبصرته
بالواحد الرحمن من شرّه
ولكنه استدرك فقال:

لا بد من جور ومن عسف
في حكمه يمشى إلى خلف
من غير نسك لا ولا عطف
يحكم بالقهر وبالعنف
يفرق الإلف من الإلف
رحمته وقدْرُ ذا يكفي
لا بل هو الحجاج فاستكف
ما خاب من بالله يستكفي

لكن عسى الله أن يجعل سطوته على أهل العناد من أهل الإلحاد، وكانت عليه غفارة حمراء وهو يتمايل تمايل سكرى، فأرجو لكونه فاضلاً أن يكون عادلاً، فإنه نزل راجلاً وبيده عصاه يستعين بها على من خالف أمر الله تعالى وعصاه، جعله الله تأويلاً صادقاً ولسانَ حق ناطقاً. فتعوذنا حين انتبهنا من شرّ ما رأينا كما أمرَنا صلّى الله عليه وسلّم[794] وتفلنا وتحوّلنا كما عُلم.[795]

ولا نعلم عن أية فتن يتكلم الشيخ الأكبر هنا. ربما تكون حروب المغول التي ستحصل بعد وفاته ببضع سنوات هي المقصودة، أو ربما الموضوع أقل من ذلك. في الحقيقية نحن لا نعلم التاريخ الذي قال به الشيخ محي الدين ابن العربي هذا الكلام، أي الذي رأى فيه هذه الواقعة. ولذلك يصعب تحديد الحدث لعدم وجود دلائل كافية عن تاريخه ولا عن حجمه. ولكّن وجود هذا الكلام في الباب الأخير من الفتوحات المكّية يوحي أنّه كتبه عندما كان في دمشق بعد سنة 625 بل حوالي سنة 635.

وعلى كلّ حال فخلال تاريخ حلب في فترة وجود الشيخ محي الدين ابن العربي فيها كان الملك الظاهر غازي ابن صلاح الدين الأيوبي هو ملك حلب (582/1186-613/1216) وكان ملكاً عادلاً حسن السيرة مع أنه نُقل عنه أنه كان حازماً وصارماً ولا يرحم المذنبين. وبعد وفاته عهد بالملك بعده لولده الصغير محمد ولقبه "الملك العزيز غياث الدين"، وتميّزت هذه الفترة ببعض الاضطرابات المتفرقة.