شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.1.6.4 - الشيخ أبو الحسن ابن الكناري

وفي هذه السنة وفي الموصل التقى الشيخ الأكبر بالشيخ أبي الحسن بن الكناري الذي روى له حديثا غريبا ذكره الشيخ محي الدين في وصاياه مؤكّدا صحة روايته عن أبي الحسن الذي رواه بسند طويل عن عدد من الشيوخ عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يروي مباشرة عن ميكائيل عليه السلام الذي يروي عن إسرافيل عليه السلام عن الله تعالى، من غير أن تتصل الرواية بالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقال الشيخ محي الدين:

وصية: إذا قرأت فاتحة الكتاب فصِل بسملتها معها في نَفَس واحد من غير قطع فإني أقول بالله العظيم لقد حدثني أبو الحسن عن أبي الفتح المعروف والده بالكناري بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة وقال بالله العظيم لقد سمعت شيخنا أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب يقول بالله العظيم لقد سمعت من لفظ أبي بكر بن الفضل بن محمد الكاتب الهروي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر محمد بن علي الشاشي الشافعي من لفظه وقال بالله العظيم لقد حدثني عبد الله المعروف بأبي نصر السرخسي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن يحيى الوراق الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن يونس الطويل الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الراجعي وقال بالله العظيم لقد حدثني عمار بن موسى البرمكي وقال بالله العظيم لقد حدثني أنس بن مالك وقال بالله العظيم لقد حدثني علي بن أبي طالب وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الصديق وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وقال بالله العظيم لقد حدثني ميكائيل عليه السلام وقال بالله العظيم لقد حدثني إسرافيل عليه السلام وقال قال الله تعالى يا إسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ "ijk" متصلة بفاتحة الكتاب مرّة واحدة واشهدوا على أني قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت عنه السيئات ولا أحرق لسانه بالنار وأجيره من عذاب القبر وعذاب النار وعذاب القيامة والفزع الأكبر يلقاني قبل الأنبياء والأولياء أجمعين.[658]

ورغم غرابة هذا الحديث، خاصة وأنه يقرّر أن من يقرأ الفاتحة بهذه الصفة يلقى الله تعالى قبل الأنبياء والأولياء، فرغم غرابة ذلك إلا أنه لا شيء يصعب على جلال الله تعالى فلا يجوز أن ننكر مثل هذا الحديث قبل أن نتأكد من رجال السند، فالحديث إن صحّ ففيه خير كثيرٌ لا يفوّته إلا خاسر.

ولكن ما الذي يعني قراءة البسملة مع الفاتحة بنفس واحد؟ لقد أجاب الأمير عبد القادر الجزائري في كتاب المواقف عن مثل هذا التساؤل حين سأله بعض الإخوان عن الحكمة في هذا الفضل العظيم بهذا العمل اليسير، فقال له في البداية كلاماً عاماً أن الله خصَّ سوراً وآياتٍ بفضائل ما جعلها لغيرها من السور والآيات كما ورد في صحيح الأخبار، ثم قال: "غيرُ هذا ما كان عندي ثم ألهَمَ و عَلَّمَ (أي اللهُ تعالى) ما لم أكُنْ أعلَمُ بأن هذا الفضل إنما كان لأن القاريء بهذه الصيغة وهي الجمع بين البسملة والفاتحة في نفَسٍ واحد يعني بعض الفاتحة لا كلّها، فإنه قال صِلْ بسملتها معها". ثم فسّر ذلك بأن البسملة تضمّنت الرحمة الذاتية، وهي خاصة وعامة، والفاتحة تضمنت الرحمة الصفاتية، وهي أيضاً خاصة وعامة؛ فالذاتيتان في قوله بسم الله الرحمن الرحيم والصفاتيتان في قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم. ثم تابع بتفصيلٍ لا مجال لذكره هنا، فليُراجع في كتاب المواقف.[659]

وعلى كل حال، إن كان وجه الغرابة في هذا الخبر أن من يفعل ذلك يلقى الله قبل الأنبياء والأولياء أجمعين، فما ذلك بمستحيل، ولا يعني ذلك أن مقام هذا الإنسان يكون أعلى من مقام الأنبياء، بل إن الأنبياء يوم الحشر لهم عمل كبير منوط بهم فيما يخص أممهم. وربما يكون هناك دلالة روحية لذلك عند الشيخ الأكبر محي الدين رضي الله عنه، فهو يقول إن أيام الأنفاس هي الأيام التي تحدث فيها الشؤون الإلهية، ويوم الشأن هو اليوم الذي يخلق فيه الله سبحانه وتعالى شأناً واحداً في العالم يشمل العالم كله. فربما يكون من يقرأ الفاتحة، وهي أم الكتاب، في نفس واحد مع شهودٍ لمعانيها كمن يشهد العالم كله في هذا النفس، فيخرج عن حدود جسمانيته وعن حدود المكان والزمان الذي تقيده الأيام.