شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.4.3.20 - شجرة الأولياء

ويعتبر الشيخ محي الدين أن أولياء الله تعالى الذين يحفظ الله بهم العالم إنما هم على مراتب أعلاها مرتبة القطب، ثم يليه الإمامان ثم الأوتاد الأربعة، ثم هناك الأبدال والنقباء والنجباء والرجبيون والأفراد، إلى ما هناك من مراتب كثيرة ذكرها في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية. ويعتمد الصوفية في هذا التقسيم الشجري للأولياء على عدد من الأحاديث بالإضافة إلى علم الكشف الذي يتميّزون به، فمثلا يقول النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ذلك في الحديث الشريف:

إن لله في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل، ولله في الخلق واحدٌ على قلب إسرافيل، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة، فيهم يُحي ويُميت ويُمطر ويُنبت ويدفع البلاء.[219]

وقد سرد ابن العربي جميع هذه الأصناف وغيرها من الأولياء الذين يسميهم رجال الأنفاس أو العدد أي الذين لهم عدد معيّن في كل وقت لا يزيدون ولا ينقصون، ومنهم من هو غير محصور بعدد. فهو يقول مثلا في الفتوحات المكية في الباب السادس عشر "في معرفة المنازل السفلية والعلوم الكونية ومبدأ معرفة الله منها ومعرفة الأوتاد والأبدال ومن تولاهم من الأرواح العلوية وترتيب أفلاكها" أن الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة لا خامس لهم وهم أخصُّ من الأبدال والإمامان أخصُّ منهم والقطب هو أخصُّ الجماعة. والأبدال في هذا الطريق لفظ مشترك حيث يطلقون الأبدال على من تبدّلت أوصافه المذمومة بالمحمودة ويطلقونه على عدد خاص من الرجال، وهم أربعون عند بعضهم، لصفة يجتمعون فيها. ومنهم من قال عددهم سبعة. والذين قالوا سبعة منهم من جعل السبعة الأبدال خارجين عن الأوتاد متميّزين ومنهم من قال إن الأوتاد الأربعة من الأبدال؛ فالأبدال سبعة ومن هذه السبعة أربعة هم الأوتاد واثنان هما الإمامان وواحد هو القطب وهذه الجملة هم الأبدال. وقيل أن الأبدال سُموا أبدالاً لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله، ويؤخذ من الأربعين واحدٌ وتُكمل الأربعون بواحد من الثلاثمائة وتُكمل الثلاثمائة بواحد من صالحي المؤمنين.

ثم يقول الشيخ محي الدين أن هؤلاء الأوتاد الواحد منهم على قلب آدم والآخر على قلب إبراهيم والآخر على قلب عيسى والآخر على قلب محمد عليهم السلام. فمنهم من تمدُّه روحانية إسرافيل وآخر روحانية ميكائيل وآخر روحانية جبريل وآخر روحانية عزرائييل. ولكل وتد ركن من أركان بيت الله الذي هو الكعبة، فالذي على قلب آدم عليه السلام له الركن الشامي والذي على قلب إبراهيم له الركن العراقي والذي على قلب عيسى عليه السلام له الركن اليمانيّ والذي على قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد الله.

ولكن الشيخ محي الدين يعود فيؤكد أن هؤلاء الأولياء الأوتاد (الذين منهم الإمامان والقطب) إنما هم على الحقيقة نائبون عن الأوتاد الأصليين الذين هم الأنبياء والرسل الذين أبقاهم الله أحياءً بأجسادهم في الدار الدنيا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم إدريس عليه السلام بقي حيا بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة، حيث يقول الله تعالى عنه في سورة مريم: [b]((وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [57]))[/b]، وأبقى في الأرض أيضاً إلياس وعيسى وكلاهما من المرسلين وهما قائمان بالدين الحنيفي الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم. فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع عليهم أنهم رسل، وأما الخضر وهو الرابع فهو من المختلف فيه عند الفقهاء ولكن الصوفية يقطعون بأنه نبي. فهؤلاء الأربعة باقون بأجسامهم في الدار الدنيا فكلهم الأوتاد واثنان منهم الإمامان وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم. فبالواحد يحفظ الله الإيمان و بالثاني يحفظ الله الولاية و بالثالث يحفظ الله النبوة وبالرابع يحفظ الله الرسالة وبالمجموع يحفظ الله الدين الحنيفي فالقطب من هؤلاء لا يموت أبدا أي لا يُصعق لأنه مستثنى في قول الله سبحانه في سورة الزمر: [b]((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ))[/b].[220]

ويقول الشيخ محي الدين أن من رحمة الله بخلقه أن جعل على قدم كل نبيٍّ وليّاً وارثاً له واحداً على الأقل أو أكثر من واحد، فلا بدّ أن يكون في كلّ عصر مائة ألف وليّ وأربعة وعشرون ألف وليّ على عدد الأنبياء ويزيدون ولا ينقصون. فإن زادوا قسم الله علم ذلك النبي على من ورثه فإن العلوم المُنزلة على قلوب الأنبياء لا ترتفع من الدنيا وليس لها إلا قلوب الرجال فتقسم عليهم بحسب عددهم؛ فلا بدّ من أن يكون في الأمة من الأولياء على عدد الأنبياء وأكثر من ذلك.[221]

ثم ذكر الشيخ محي الدين أنّ الخضر قال إنه ما من يوم حدّث فيه نفسه أنّه ما بقي وليٌّ لله في الأرض إلا قد رآه واجتمع به، فلا بدّ له أن يجتمع في ذلك اليوم مع ولي لله لم يكن عرفه قبل ذلك. وقا أيضاً أنه اجتمع يوما بشخص لم يعرفه فقال له: يا خضر سلام عليك! فقال له: من أين عرفتني؟ فقال: إن الله عرّفني بك. فعلم الخضر أن لله عباداً يعرفون الخضر ولا يعرفهم الخضر.

ومعنى قوله "على قلب فلان" أي أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية تقلّب ذلك الشخص، وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان وهو بهذا المعنى نفسه (تقريبا)،[222]وهذا يعني أنّه على نفس الحالة من الحضور والمعرفة بالله تعالى، ولكن هناك فرق دقيق وهو أنّ الوليّ الذي هو على قلب نبيّ من الأنبياء لا يكون على قلبه من حيث ما هو نبيّ مشرّع بل فقط من حيث كونه وليّ لله لأن كلّ نبيّ فهو وليّ. ولذلك يقول الشيخ محي الدين في مكان آخر أنه كان يقول قبل هذا أن ثَمّ أولياء على قلوب الأنبياء فقيل له لا بل قل هم على أقدام الأنبياء لا تقل على قلوبهم؛ فعلمت معنى ذلك لما أطلعه الله على ذلك فرآهم على آثارهم يقفون، ورأى لهم معراجين: المعراج الواحد يكونون فيه على قلوب الأنبياء ولكن من حيث هم الأنبياء أولياء أي من حيث النبوّة التي لا شرع فيها،[223]والمعراج الثاني يكونون فيه على أقدام الأنبياء أصحاب الشرائع لا على قلوبهم، إذ لو كانوا على قلوبهم لنالوا ما نالته الأنبياء من الأحكام المشروعة وليس ذلك لهم.[224]