شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

6.2.4 - لماذا اختار الشيخ الأكبر دمشق

بالإضافة إلى توفر الأمن والاستقرار في دمشق أكثر من غيرها في ذلك الوقت، وكونها كانت ملاذاً آمناً للجميع من غير خوف من تمييز أو اضطهاد، فقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضل دمشق وتفضيل السكنى فيها. وقد ذكر ذلك الشيخ محي الدين في وصاياه فقال: "وإن قدرت أن تسكن بالشام فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثبت عنه أنه قال عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه وإليها يجتبي خيرته من عباده."

ونورد فيما يلي بعض هذه الأحاديث المؤكدة لذلك، وإنما أكثرت منها ردّاً على من ينكر أفضلية الشام وتأكيداً لوجود الأبدال كما يقول بذلك الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية وخاصة في الباب الثالث والسبعين.

فأخرج السيوطي في الجامع الصغير أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم حول فضل الشام وأهلها فمنها:

"· "أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض، ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، وأن يموتوا إلا همّا وغمّا وغيظا وحزنا."[802]

"· "الأبدال في أهل الشام، وبهم يُنصرون، وبهم يُرزقون."[803]

"· "الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا: يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب."[804]

"· "الشأم [أو "الشام"]ـ صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده. فمن خرج من الشأم إلى غيرها فبسخطة، ومن دخلها من غيرها فبرحمة."[805]

"· "الشام أرض المحشر والمنشر."[806]

وأفرد الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد خمسة أبواب في فضائل الشام، وذكر فيها أحاديث كثيرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، منها:

"· "بينا أنا نائم [إذ] رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام".[807]

"· "رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون؟ فقالوا: عمود الكتاب، أُمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم ثم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله عز وجل تخلى من أهل الأرض، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام". فقال ابن حوالة: يا رسول الله خِر لي؟ قال: "عليك بالشام".[808]

"· "إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام".[809]

"· "إنكم ستجدون أجناداً، جند بالشام ومصر والعراق واليمن". قالوا: فخِر لنا يا رسول الله، قال: "عليكم بالشام". قالوا: إنا أصحاب ماشية ولا نطيق الشام، قال: "فمن لم يطق الشام فليلحق بيمنه، فإن الله قد تكفل لي بالشام".[810]

"· وعن عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال: يا رسول الله خِر لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قربك شيئاً. قال: "عليك بالشام". فلما رأى كراهيتي للشام قال: "أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله عز وجل يقول: "يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي". إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله."[811]

"· "يا أيها الناس توشكون أن تكونوا أجناداً مجندة، جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن". فقال ابن حوالة: يا رسول الله إن أدركني ذلك الزمان فاختر لي، قال: "إني أختار لك الشام، فإنه خيرة المسلمين، وصفوة الله من بلاده، يجتبي إليها من صفوته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله".[812]

ولم يكن الشيخ محي الدين هو الوحيد الذي قدم من المغرب العربي واستقر في دمشق، بل كان هناك عدد كبير من المغاربة والأندلسيين الذي قصدوا دمشق إما للتعليم أو للمعيشة، وقد كان للكثير منهم مكانة اجتماعية مرموقة. ولكن المذهب المالكي الذي قدم به المغربيون ربما وقف حاجزاً بينهم وبين الاندماج الكلي مع المجتمع الدمشقي الذي كان يتبع المذهب الشافعي على الأغلب.